تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، خلال حملته الانتخابية بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الموقع بالعام 2015، وإعادة التفاوض على شروطه، لكن مجلة «إيكونومست» البريطانية ترى أن هذه العودة لن تكون بالبساطة التي يعتقدها بايدن، مشيرة إلى عواقب كثيرة تحول دون ذلك.
تقول المجلة، في تقرير (ترجمته عاجل): نظريًّا، يمكن بسهولة العودة إلى اتفاقية العمل المشتركة الشاملة في حاول عاودت إيران الالتزام بشروطها، كما أكدت تصريحات لوزير الخارجية جواد ظريف، قال فيها: «سنعاود فورًا التزامنا الكامل بالاتفاق في حال رفع بايدن العقوبات كاملة»، لكن في الواقع هناك عوائق كثيرة سواء داخل إيران أو الولايات المتحدة نفسها.
وأشارت المجلة إلى وجود مساحة زمنية ضيقة للغاية بين تنصيب بايدن رسميًّا في يناير المقبل، والانتخابات الرئاسية الإيرانية، المنعقدة في 18 من يونيو المقبل، وهي انتخابات يواجه فيها الرئيس الإيراني حسن روحاني، منافسة شديدة وانتقادات لاذعة.
وانسحبت الإدارة الأمريكية للرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 2018، واعتبره الرئيس الأمريكي «الاتفاق الأسوأ على الإطلاق»، كما أعاد فرض كل العقوبات الاقتصادية والدولية على طهران. وردت طهران بمواصلة أنشطة تخصيب اليورانيوم، وخزنت كميات أكبر بمقدار 12 ضعفًا من الكمية المسموح بها بموجب الاتفاق النووي.
انتخابات إيرانية حساسة
داخل إيران، تسبق الانتخابات الرئاسية منافسة كبيرة وتوتر أكبر. ففي حين حقق المتشددون انتصار كبير في الانتخابات البرلمانية، فبراير الماضي، هم يخشون من أن العودة إلى الاتفاق النووي يصب لصالح المعسكر البراغماتي، الذي ينتمي اليه ظريف وتلقى ضربة شديدة مع فشل الاتفاق في تحقيق المكاسب الاقتصادية الموعودة.
وهناك من يريد تعويضًا عن الأضرار الاقتصادية التي سببتها العقوبات الأمريكية. ومنح اغتيال العالم النووي، محسن فخري زاده، هؤلاء أفضلية جديدة، فسرعان ما حشد الحرس الثوري الإيراني وكلاءه داخل البرلمان، الذي مرر، في الأول من ديسمبر الجاري، مشروع قانون يطالب الحكومة بتخصيب اليورانيوم إلى درجة قريبة من إنتاج الأسلحة إذا لم تُرفع بعض العقوبات الأمريكية.
وكان فخري زاده هو الرأس المحرك لمشروع «آماد» السري النووي الهادف لإنتاج الأسلحة النووية. وبعد قرار القادة الإيرانيين وقف البرنامج، في العام 2003، واصل فخري زاده في أبحاث تهدف إلى إيحاء احتمالية إنتاج القنبلة النووية.
وكشفت وثائق إيرانية، حصل عليها جهاز الموساد الإسرائيلي بالعام 2018، عن أن 70% من فريق عمل فخري زاده من مشروع «آماد» استمر في العمل معه بعد توقف المشروع، وقُتل الكثير منهم في عمليات سرية للموساد بين عامي 2007 و2012.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ذكر اسم فخري زاده بشكل مباشر في استعراضه للوثائق الإيرانية، في 2018. وربما كان الهدف وراء اغتيال العالم الإيراني هو عرقلة البرنامج النووي لإيران عبر التخلص من أحد رؤوسه، أو عرقلة مسعى الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015.
شكوك داخل واشنطن
أما داخل الولايات المتحدة، فقالت المجلة البريطانية إن اتفاقية العمل المشتركة الشاملة يُنظر لها بعين الشك في عديد من الدوائر بواشنطن وإسرائيل وحتى دول الخليج.
ويشير مراقبون إلى ثلاث نقاط رئيسية مدعاة للقلق، أولها الإطار الزمني، مع انتهاء تفويض حظر التسليح على إيران في أكتوبر الماضي، وانتهاء القيود المفروضة على أجهزة الطرد المركزي المتطورة وواردات وصادرات الصواريخ خلال ثلاث سنوات.
ثاني هذه النقاط هو برنامج إيران الصاروخي المزدهر ودقته التي برزت بوضوح في هجوم شنته إيران على القوات الأمريكية في العراق، يناير الماضي، انتقامًا لمقتل قاسم السليماني، قائد فيلق القدس.
وثالثًا هو سلوك إيران العدائي في المنطقة، وعلى وجه الخصوص رعايتها لمجموعات مسلحة مثل «حزب الله» في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن.
وبالنظر إلى النقاط الثلاث، سيرغب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وفي الغرب كذلك أن ينتزع الرئيس بايدن تنازلات من إيران قبل العودة إلى الاتفاق النووي، وهي تنازلات من غير المؤكد أن توافق عليها طهران.
كما أعرب بايدن في السابق عن رفضه وضع أي شروط مسبقة للعودة إلى الاتفاق النووي، وقال في حديث مع «نيويورك تايمز»: «هناك كثير من الحديث بشأن الصواريخ وغيرها من الأمور التي تزعزع استقرار المنطقة. لكن السبيل الأفضل لاستعادة بعض من الاستقرار هو التعامل مع البرنامج النووي».
معارضة قوية من الحلفاء
وتحدثت المجلة كذلك عن معارضة حلفاء واشنطن في المنطقة، وقالت إنه حتى إذا قرر بايدن ببساطة العودة غير المشروطة إلى الاتفاق النووي، فبالتأكيد سيواجه معارضة قوية من حلفائه في المنطقة.
ونقلت عن مسؤول إسرائيلي لم تذكر اسمه: «إذا قدموا لنا اتفاقًا إضافيًّا مماثلًا لاتفاقية العمل المشتركة، سنبذل ما في وسعنا لكي نغيره». فيما توقع راز زمت، من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، «مواجهة لا مفر منها» بين نتنياهو وبايدن، وقال: «من مصلحة نتانياهو السياسية الاستمرار في موقفه المتشدد على قدر الإمكان، ولا يمكن لأحد في الحكومة أو المؤسسة الأمنية معارضته علانية».
ويشعر خصوم إيران العرب في المنطقة بقلق مماثل، لا سيما وهم شهدوا توسع نفوذ إيران الإقليمي في اليمن وسوريا والعراق بعد توقيع الاتفاق النووي.